ماذا تعرف عن السـكري
معرفة بعض الحقائق عن مرض السكري قد تسهم في الحيلولة دون الإصابة به خاصة إذا ما عرفت أسبابه والظروف المهيأة له، وهي أيضا ستفيد دون شك من أصابهم المرض ليتعلموا كيف يتعايشون معه كما لو أنهم يحيون حياة طبيعية، ومعظم الناس لديهم فكرة غامضة عن مرض السكري ولكنهم لا يشعرون بحاجة ما لتبديد هذ الغموض، وبمجرد أن يكتشف أحدهم أنه مصاب به حتى يشرع بالبحث والإستفسار وسؤال طبيبه أو من سبقوه إلى هذا المرض ليتعرف أكثر على هذا الداء الذي سيغزو جسمه وسيفرض نفسه ضيفا ثقيلا عليه بقية حياته.
في أواسط الثمانينات كان هنالك حوالي 30 مليون شخص مصاب بالسكري في العالم، وفي فلسطين مثلا هنالك بحدود المائة ألف مصاب، وفي أقل من خمسة عشر عاما تضاعف هذا الرقم ستة مرات، هذا فضلاً عن ملاين أخرى لم تكتشف بعد أنها مصابة به، ومع تزايد هذه المعدلات حول العالم فقد تم تصنيف مرض السكر كوباء عالمي علي الخريطة الصحية لمنظمة الصحة العالمية.
ويرجع سبب تزايد أعداد المصابين بالسكري إلى تغير الأنماط السلوكية لدى كثير من الناس خاصة عادات الأكل بسبب الزيادة الكبيرة في أصناف الطعام، مع ميل أكثر نحو الكسل والخمول والاعتماد أكثر على الآلة والسيارة في إنجاز الأعمال والتنقل .. كما أن تطور الطب واكتشاف أدوية جعلت من التعايش مع السكري أمرا ممكنا أدّيا إلى إطالة عمر المصابين بالسكري ومنْحهم الفرصة للزواج والإنجاب، وفي النهاية أنجبوا أجيالا جديدة من حاملي المرض أو من المصابين به، وبما أن المجتمعات الشرقية تنتشر فيها عادات الزواج بين الأقارب بالتالي ستزيد فرصة نقل المرض للمواليد الجدد.
وإذا كان السكري يعتبر ضمن أمراض العصر إلى جانب أمراض القلب والسرطان وغيرها إلا أن ذلك لا يعني أنه لم يعرف في العصور القديمة، فقد شخصه إبن سينا منذ عشرة قرون، وكان مريض السكر قديما وحتى مطلع القرن العشرين يعتبر الحي الميت، وينظر إليه كمن حلت عليه لعنة ما حكمت عليه بالموت المبكر، لأن علاجه لم يكن معروفا بعد، فكان الأطفال عندما يصابون به تذوي أجسامهم وتضمر أمام ناظري أهلهم دون أن يتمكنوا من فعل شيء، وإن كانت هذه الحالات محدودة سابقاً، إلا أن أنماط الحياة الجديدة وإيقاع العصر الحديث قد داست تحت عجلاتها السريعة ما كان يعرف براحة البال والهواء العليل والطعام الصحي وقد أدت أيضاً إلى تلوث الهواء والماء والأرض الأمر الذي تسبب بظهور أمراضا وأوبئة لم تعرف سابقا أو على الأقل لم تكن بهذا الحجم ولا بتلك الخطورة.
والسكري عبارة عن مرض مزمن ينتج عن نقص جزئي أو كلي في إفراز هرمون الأنسولين والسبب الدقيق والمؤكد لمرض السكري لم يعرف بعد، والأنسولين هو عبارة عن هرمون يفرزه البنكرياس وظيفته تنظيم نسبة الجلوكوز بالدم ومساعدة السكر في الدم للدخول إلى خلايا الجسم حيث يتحول هناك إلى طاقة تساعده على الحركة، ونقص الأنسولين ينتج عنه تغير في نسبة سكر الجلوكوز بالدم إلى مستويات خطيرة، علما بأن المستوى الطبيعي للسكر في الدم هو من 70 ~ 120 ملغم / ديسيلتر .
وعندما يصاب الإنسان بالسكري تضعف كفاءة الجسم في استعمال الجلوكوز بسبب قلة الأنسولين وبالتالي فإن السكر سيزيد في الدم، وفي هذه الحالة لا يستطيع الجسم الاستفادة منه، وهنا ستطرحه الكليتان عن طريق البول.
والبنكرياس عبارة عن غدة رمادية اللون تقع في التجويف البطني وتزن بحدود 80 غم، وظيفتها تنحصر في إفراز خمائر هاضمة في الأمعاء وطرح هرمون الأنسولين في الدم مباشرة، وتشكل الجزيرات المفرزة للهرمون وتدعى جزر لانجرهانز 5 % من وزن الغدة فقط، وهي جزيرات بالغة الصغر يبلغ عددها حوالي المليون تحتوي على خلايا مختلفة الوظائف أهمها خلايا "بيتا" وهي المسؤولة عن إفراز هرمون الأنسولين وتشكل 70 % من مجموع خلايا لانجرهانز بمعنى أن وزنها لا يزيد عن 3 غم.
الأعراض التي يجب الانتباه لها والتي من الممكن أن تكون علامة على الإصابة بالسكري هي كثرة التبول والعطش الزائد والإعياء وضعف الميل الجنسي عند الذكور والتنميل في بعض الأطراف وجفاف الفم وزوغان البصر، إلا أن آلية ظهور هذا المرض لا تنحصر في قلة إفراز الأنسولين بالدم، فقد يكون سبب هذا المرض عدة أمراض أخرى تؤثر عليه، كما قد تتشابه أعراض السكري مع أعراض أمراض أخرى لذا يجب إجراء الفحوصات المخبرية للتأكد، من الجدير بالذكر أن ظهور أعراض الاصابة بالنوع الثاني تكون تدريجية وبالتالي يصعب اكتشافها مبكرا، وهي مماثلة لأعراض الاصابة بالنوع الأول ولكنها أقل حدة.
وتلعب عوامل الوراثة والجنس والسن والبدانة دورا هاما في ظهور وانتشار المرض، فمثلا تزيد نسبة الإصابة بالسكري كلما تقدم العمر أما بالنسبة للجنس فلا يوجد فرق يذكر بين الجنسين في الخمسة وعشرون سنة الأولى غير أن الميزان يختل بعد ذلك باتجاه الإناث، ولا توجد أية علاقة للعرق بين بني البشر فيما يخص الإصابة بالسكري، إلا أن العامل الوراثي يزيد من احتمالية الإصابة خاصة في حالة الزواج بين الأقارب، والبدانة أيضا تزيد من فرص الإصابة بالمرض كما أنها تُصَعّب عملية العلاج والتأقلم معه، وقد وجد أن 80 % من مرضى السكري هم من البدينين، ومن المهم أن ندرك أن عادات تناول الطعام من حيث النوعية والكمية ومدى ممارسة الرياضة والحركة إلى جانب الظروف النفسية المحيطة تلعب دورا هاما في تهيئة الفرصة لظهور المرض.
ومن الأخطاء الشائعة أن تناول الحلويات والسكاكر يؤدي للإصابة بالسكري، والصحيح أن الإكثار منها يرهق البنكرياس كما أنها تؤدي للسمنة والتي هي بدورها تهيئ الفرصة للإصابة بالسكري.
ومرضى السكري من النوع الأول يعانون من نقص كبير في هرمون الأنسولين الذي تفرزه جزر لانجرهانز الموجودة في البنكرياس نتيجة لخلل فيها أدى إلى توقفها عن انتاج هذا الهرمون، وهنا لابد لمرضى هذا النوع تعاطي حقن الأنسولين كبديل للأنسولين المفقود لديهم، أما مرضى السكري من النوع الثاني فلا يوجد لديهم نقص في إفراز الأنسولين ولكن الخلايا المستقبلة للأنسولين في الجسم لا تستجيب له أي أن الجسم غير قادر على استخدامه، ومرضى هذا النوع هم ممن تعدوا سن الثلاثين وممن يعانون من السمنة وقد وجد أن 90 % من حالات مرض السكر هم من فئة النوع الثاني، ويمكن السيطرة على هذا النوع باتباع الحمية والرياضة وتقليل الوزن واستعمال بعض الأدوية المخفضة للسكر والتي تحث البنكرياس علي إفراز الإنسولين، لكن مع مرور الوقت قد يكف البنكرياس عن إفرازه ويصبح المريض محتاجا لحقن الإنسولين عندها يتحول للنوع الأول.
ويمكن أن يسبب داء السكري مضاعفات في حالة عدم الإلتزام بالحمية والعلاج، فقد تحدث تغيرات سلبية خطيرة كالعمى أو الفشل الكلوي أو تصلب الشرايين أو السكتة القلبية أو اعتلال الأعصاب الذي يسبب فقدان الشعور في أنحاء عديدة من الجسم.
ويعتبر الهدف الأساسي من حمية السكري تحديد مقدار السعرات اليومية المسموح بها، بحيث أن يبقى ميزان الطاقة الداخلة للجسم والطاقة المستهلكة متوازنا، والإنسان الطبيعي يحصل على معظم طاقته من خلال النشويات وفي حالة مرضى السكري يفضل أن تنخفض هذه النسبة بحيث لا تتعدى 40 % ، ومن هنا لا يسمح لمريض السكري بتناول الأغذية التي تحتوي على سكريات إلا بقدر محدود وتحت إشراف طبي، وباتباع قواعد التغذية الصحية استنادا للهرم الغذائي يضمن مريض السكري عدم تذبذب مستوى السكر بالدم ويحافظ على الوزن المثالي ويؤخر أو يمنع ظهور المضاعفات الخطيرة للسكري، وبهذا يتكيف مع المرض وكأنه يعيش حياة طبيعية.
أما بخصوص الأعشاب والنباتات الطبية فمن الممكن أن تكون مفيدة، إلا أنه يجب الحذر وعدم تصديق كل ما يقال عن قدراتها العجيبة، والأخذ بعين الاعتبار أنها ليست بديلا عن الأدوية التي يصفها الطبيب ولا بديلا عن الحمية والرياضة