حماية المستهلك من خطر الملوثات الكيماوية في الأغذية
ستبقى مشكلة الغذاء غير الآمن وغير الصحي من المشاكل الكبرى التي تؤرق الإنسانية وتكلفها الكثير، وعلى الرغم من سعي الدول لتحسين مستوى جودة تزويد السكان بالغذاء الآمن، إلا أنه مع الأسف ما زالت الأمراض المرتبطة بالغذاء مشكلة قائمة وخطيرة ليس في دول الجنوب وحسب بل في مختلف أنحاء العالم، ففي كل عام هنالك ملايين حالات التسمم الغذائي التي ينتهي الكثير منها بالموت، إذ تشير الإحصاءات أنه في كل عام يموت ما يقارب 1.8 مليون إنسان كنتيجة مباشرة لأمراض مرتبطة بالغذاء، فضلاً عن ملايين الحالات الأخرى التي لا توثق، ومع أن الاهتمام بالنظافة الشخصية والعناية بشروط إنتاج الغذاء الصحية وتداولها وتحضيرها بشكل سليم ممكن أن تمنع معظم هذه الأمراض، إلا أن هذا ليس كافيا ولا يحل المشكلة تماما، ولكن لماذا ؟
في الحقيقة إن الجراثيم ليست هي المسؤولة الوحيدة عن الأمراض الناشئة عن الغذاء، حيث أن الإنسان ممكن أن يتعرض للمرض نتيجة التسممات الكيماوية، والتي تشمل العناصر الثقيلة، متبقيات المبيدات، والإستخدام غير الصحيح للمضافات الكيماوية للغذاء، وهذه الملوثات الكيماوية قد تسبب أضرارا مؤذية للكبد والقلب والمعدة والدماغ ... إلخ ، وهذه الأضرار قد تؤدي إلى الإصابة بالسرطان أو غيرها من الأمراض الخطيرة، ومن البديهي أن الضرر سيكون أكبر وأخطر على الرضّع والأطفال الصغار والحوامل وكبار السن والمرضى.
والمشكلة أن أعراض هذه الأمراض لا تبدو واضحة للعيان وعادة لا يكتشفها المريض إلا بعد زمن، في الوقت الذي تكون فيه قد تراكمت داخل خلايا الجسم مسببةً أخطر الأمراض وأعتاها، والتي عادة ما تظهر أعراضها فجأة، وقد تكون غير قابلة للشفاء لأنه قد مضى وقت طويل وفات الأوان.
وقد تنبهت المنظمة العالمية لهذه المخاطر بعد سلسلة من الكوارث الصحية والمخاطر التي جلبتها الأغذية الملوثة والتي أزهقت أرواحا كثيرة وتسببت بخسائر جسيمة تقدر بمليارات الدولارات، مثل التلوث بالديوكسين، والأغذية الملوثة بمتبقيات المبيدات الحشرية والعناصر الثقيلة السامة والتسمم بالرصاص والزئبق ... إلخ ،
وقياسا على ما سبق يمكننا اعتبار فلسطين كحالة استثنائية مختلفة عن بقية الدول، حيث أن جميع الأمراض والمشاكل المرتبطة بالغذاء موجودة فيها بالفعل، ولكن يضاف إليها ما يُعرف "بالأغذية الفاسدة " التي تجد طريقها للأسواق المحلية ويتم استهلاكها بدون رقابة حقيقية أو تحليل مخبري، وما يضاعف من حجم المشكلة هو عدم وجود سيطرة حقيقية على التلوث البيئي.
إن ظاهرة الأغذية الفاسدة قد نشأت وتطورت في أثناء فترة الإحتلال الإسرائيلي، لذا عندما بدأ مفتشوا التموين عملهم وجدوا أن الأسواق تعج بأصناف عديدة من الأغذية الفاسدة ومنتهية الصلاحية، ومرد هذه الظاهرة السلبية يعود لجملة عوامل بعضها ما زال قائما وبعضها تمت السيطرة عليه، ومن هذه العوامل: ضعف الرقابة والتفتيش في الفترة التي سبقت تأسيس السلطة الوطنية، وغياب برامج التوعية والإرشاد الصحي، أعمال التهريب التي كانت تجري على قدم وساق، فقدان السيطرة الفعلية على المعابر والحدود، إلى جانب قلة الإمكانات وشح الموارد في مؤسسات السلطة المسؤولة عن موضوع الرقابة على الغذاء.
وعلى الرغم من هذه العراقيل والتحديات التي فاقت قدرات السلطة الوطنية، إلا أن الأمور أخذت طريقها نحو التحسن، لذلك يمكننا القول اليوم بأن هنالك ثمة إنجازات مهمة قد حصلت منذ أن باشرت وزارة الاقتصاد مهامها الوطنية، ولكن يجب الإعتراف بأننا ما زلنا في بداية الطريق.
في جولات التفتيش اليومية على الأسواق جرت العادة أن يهتم المفتشون بالرقابة على المنتجات بحيث يكون التركيز منصبّاً على ملاحظة التلوثات الميكروبية وعلى إجراء التقييم الحسي والاهتمام ببعض فحوصات الجودة إلى جانب عدد معين من الفحوصات الكيماوية، وما من شك أن هذا العمل بالغ الأهمية ولكنه غير كافي، فلسوء الحظ لا يتمكن المفتشون من سحب عينات وتحويلها للمختبر بقصد إجراء فحوصات الملوثات الكيماوية أو السموم الفطرية، وهذا يعود لسبب بسيط ولكنه فاجع، وهو عدم وجود أي مختبر رسمي حكومي في الأراضي الفلسطينية يستطيع القيام بتلك الفحوصات، وإن كانت بعض المختبرات الخاصة ومختبرات الجامعات العلمية تستطيع القيام بتلك الفحوصات بدقة إلا أن تكاليف الفحص باهظة ومكلفة.
والحقيقة التي يجب أن يدركها المواطنون هو أن الأغذية المصنعة محليا أو المستوردة من الخارج لا تخضع حاليا لأي نوع من التفتيش على الملوثات الكيماوية أو السموم أو فحص نسب المضافات الكيماوية والتأكد من مدى مطابقتها للمواصفات القياسية، بالإضافة إلى مخاطر المزروعات الملوثة ببقايا المبيدات الحشرية ومخاطر الأغذية المصنعة والتي تحتوي على مضافات كيماوية ومواد حافظة وألوان صناعية وخاصة أغذية الأطفال حيث أنها أيضا لا تخضع لفحوصات حقيقية تستطيع التأكد من مدى مطابقتها للشروط والمواصفات القياسية الصحية، لذلك في ظل هذا الوضع الصعب والمعقد سيبقى خطر الملوثات الكيماوية قائما وخطيراً والسيطرة على سلامة الأغذية غير مكتملة.
وما لم تتخذ الحكومة المبادرات الخلاقة للسيطرة عليها ومنع أخطارها، ستبقى الملوثات الكيماوية مشكلة خطيرة وجدية تهدد الناس ليس في صحتهم فحسب بل في حيواتهم أيضا.